بين إدانة وإعدام محتمل.. ما انعكاسات محاكمة رئيس الكونغو السابق على حقوق الإنسان؟

بين إدانة وإعدام محتمل.. ما انعكاسات محاكمة رئيس الكونغو السابق على حقوق الإنسان؟
الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية، جوزيف كابيلا

في 30 سبتمبر المنقضي، أعلنت محكمة عسكرية في كينشاسا إدانة الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا، وصدر حكم بالإعدام بحقه في قضية اتهمته فيها النيابة بالخيانة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بعدما جرت المحاكمة غيابيًا وبدون تمثيل قانوني من قبله، ويأتي هذا الحكم في ذروة تصعيد سياسي وأمني داخل البلاد، ويطرح أسئلة جوهرية عن الفارق بين محاسبة المسؤولين وضرورة احترام إجراءات المحاكمة العادلة، وعن قدرة المؤسسات القضائية في الحفاظ على حيادها وحماية المسار الديمقراطي بحسب "هيومن رايتس ووتش". 

تفاصيل الاتهامات وإجراءات المحاكمة تكشفان عن مزيد من التعقيد، فقد وجهت المحكمة العسكرية إلى كابيلا تهمًا تتراوح بين التآمر مع ميليشيات مسلحة وإسناد دعم لمتمردين في شرق البلاد إلى جرائم قتل واغتصاب وتعذيب، في حين نُظر إلى المحاكمة على أنها تمهيد قضائي لثأر سياسي بعد انقسام حاد بين الرئيس الحالي فيليكس تشيسكيدي وخصمه السابق، وتدهور التحالف الذي جمعهما عقب انتخابات 2018، وغياب المدعى عليه أمام المحكمة وافتقاره لتمثيل قانوني يرفعان قلق المراقبين حول مدى التزام الإجراءات القضائية بالمعايير الدولية وفق “أسوشيتدبرس”.

منظور حقوقي وقانوني

رصدت هيومن رايتس ووتش دعماً للمحاسبة على الانتهاكات الحقوقية التي ارتكبت خلال السنوات التي قضاها كابيلا في السلطة، لكنها دانت الإجراءات التي وُصفت بأنها إجرائية، وعدم احترام حقوق الدفاع، ما يقلل من شرعية المحاسبة ويُفرغها من معناها، وتشير مؤسسات قانونية إفريقية ودولية إلى أن محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية تُشكل انتهاكًا لمقاييس المحاكمة العادلة، وأن مثل هذه الإجراءات غالبًا ما تفتقد الضمانات اللازمة للاستقلال والحياد القضائي. 

لا يمكن فهم محاكمة كابيلا بمعزل عن السياق الأوسع فعودة نشاط حركة M23 المسلحة في شرق الكونغو، والاتهامات المتبادلة بتلقي دعم خارجي، وتصاعد التوتر بين الكونغو ورواندا، كلها عناصر دفعت البلاد إلى نقطة حرجة، وجاءت اتهامات الحكومة لكابيلا بدعم المتمردين، وفي الوقت ذاته، تؤدي الاحتكاكات العسكرية في الشرق إلى مناطق نزوح واسعة وأزمات إنسانية متفاقمة، ما يجعل أي قرار سياسي أو قضائي ذا وقع أمني وإقليمي. 

هيومن رايتس ووتش سارعت إلى وصف المحاكمة بأنها تحمل سمات الانتقام السياسي، مؤكدة أن المطالبة بالمحاسبة ليست مبرراً لتجاوز حقوق الدفاع أو استخدام محاكم استثنائية لمحاكمة مدنيين. ومن جهتها، حذّرت منظمات دولية أخرى، وذكرت تقارير أممية وتوثيقية أن موجة أحكام الإعدام الصادرة مؤخرًا في الكونغو عبر محاكم عسكرية أثارت استنكارًا واسعًا، خصوصاً في ظل تقارير عن ازدياد أحكام الإعدام والإجراءات التعسفية منذ 2024، وطالبت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية بتدخل مستقل للتحقق من مجريات المحاكمة، وضمان أن أي مساءلة تجري وفق معايير العدالة الجنائية الدولية.

أبعاد إنسانية

الحديث عن محاسبة مسؤولين سابقين لا يغني عن التركيز على حقوق الضحايا الذين عانوا من انتهاكات خلال العقود الماضية؛ هؤلاء الضحايا يستحقون تحقيقات مستقلة ومحاكمات نزيهة تفضي إلى تعويضات وإصلاحات هيكلية. وفي المقابل، المحاكمة السريعة تفتقد الشفافية وتُعرّض المجتمع لخطر الانتقام المتبادل وتصعيد الاستقطاب، وقد تدفع أنصار كابيلا أو المجموعات الموالية له إلى مزيد من الاحتقان أو التحالفات المضادة، ما يفاقم حالة عدم الاستقرار ويزيد من معاناة السكان المدنيين الذين يواجهون نزوحًا واسعًا وأزمات إنسانية متكررة، وتشير إحصاءات حديثة إلى مئات القتلى وآلاف النازحين نتيجة القتال في الشرق، ما يجعل أي هزة سياسية أو أمنية مسألة حياة أو موت لأعداد كبيرة.

تجربة الكونغو تظهر أن المحاسبة الحقيقية تتطلب مؤسسات قضائية مستقلة وقادرة على التحقيق في انتهاكات كلا الجانبين وتتضمن عناصر أساسية تشمل قضاة مستقلين، ومدعين عامين محترفين، وآليات حماية للشهود، وإمكانية إجراء محاكمات عامة وعلنية تضمن حقوق الدفاع. 

كما تطالب المنظمات الدولية بترتيبات تدعم عمليات التحقيق الدولية أو المساعدة الفنية من جهات قضائية دولية أو إقليمية، وتدعو لإحجام السلطات عن استخدام المحاكم العسكرية في محاكمة مدنيين، ودعم المجتمع الدولي المطلوب لا يقتصر على إطلاق بيانات بل يشمل رقابة فنية، دعمًا للنيابات العامة، ومبادرات لحماية استقلال القضاء. 

مرآة أزمة أعمق

حكم الإدانة والإعدام على الرئيس السابق ليس حدثًا معزولًا؛ إنه مرآة لأزمة مؤسساتية وسياسية تمتد جذورها إلى سنوات من الصراعات والتوافقات الهشة، وإلى منظومة قضائية قابلة للاستخدام لأهداف شتى.

وإذا كان الهدف الحقيقي هو محاسبة من انتهكوا حقوق الإنسان وإرساء قاعدة للعدالة والمصالحة، فإن السبيل لذلك يمر عبر إجراءات عادلة ومستقلة لا تُستخدم سلاحاً سياسياً، وإلا فستتحول المحاكمات من أدوات محاسبة إلى مكابس تضغط على العملية الديمقراطية نفسها، في حين يدفع المدنيون ثمن النزاع وتراجع حكم القانون. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية